القهوة تعد مشروب سحري لا يتجزأ من حياة الملايين من الناس حول العالم، حيث أن فنجان القهوة الذي ترتشفه في يومك يمر بالعديد من الخطوات حتى يصل لهيئته التي تتناوله عليها، إذ تبدأ رحلتها من بذور صغيرة يتم زراعتها في تربة خصبة تحت شمس دافئة. فالقهوة لا تعد مجرد مشروب، بل تعد رمزًا للدفء والإيداع، والطقوس الصباحية التي لا غنى عنها. تعد زراعة البن واحدة من أقدم الزراعات التي عرفها الإنسان، إذ يعود تاريخها إلى مئات السنين. ومع مرور الزمن، أصبحت حبوب البن منتجًا عالميًا يزرع في أماكن مختلفة من العالم، حيث تنمو أشجار البن في مناطق محددة، إذ يمتد عبر المناطق الاستوائية من الكرة الأرضية، حيث يساهم المناخ والتربة في تحديد جودة ونكهة الحبوب.
الدول الرائدة في إنتاج حبوب البن عالمًا.
- البرازيل: تعد من أكبر منتج لحبوب البن في العالم منذ أكثر من 150 عامًا. حيث تساهم بثلث الإنتاج العالمي، وهذا يرجع لمزارعها الشاسعة، وتتميز قهوة البرازيل بإنتاج كميات ضخمة من نوعي الأرابيكا والروبوستا، مع تقنيات زراعية متقدمة تجعلها رائدة في هذا المجال.
- فيتنام: تحتل فيتنام المرتبة الثانية عالميًا، مع ذلك تتصدر إنتاج حبوب الروبوستا التي تستخدم بشكل رئيسي في القهوة الفورية. وتعتمد زراعة البن في فيتنام على المزارع الصغيرة التي تدار بعناية فائقة، خاصة في منطقة المرتفعات الوسطى.
- كولومبيا: حيث تشتهر بإنتاج بن عالي الجودة من الأرابيكا الذي يزرع في المناطق الجبلية، حيث يعرف البن الكولومبي بنكهته المتوازنة وحموضته المعتدلة، مما يجعله مفضلًا لدى الكثير من الناس حول العالم.
- إثيوبيا: تعد الموطن الأصلي لشجرة البن، كما أنها واحدة من أكبر المنتجين لحبوب البن، حيث تزرع الأصناف الأصلية، يشتهر البن الإثيوبي بنكهات فريدة تتراوح بين الزهرية والفكهية.
- الهند: تعرف بإنتاج بن عالي الجودة، حيث تتميز الحبوب الهندية بنكهاتها المميزة الناتجة عن تقنيات معالجة خاصة، كالتجفيف تحت أشعة الشمس.
الظروف المناخية والجغرافية اللازمة لزراعة البن.
زراعة البن تحتاج ظروفًا خاصة تجمع بين المناخ والجغرافيا لتوفير البيئة المثالية التي تساهم في نمو أشجار البن وإنتاج حبوب بن عالية الجودة. تقع معظم مزارع البن في المناطق الاستوائية فيما يعرف بـ حزام القهوة، حيث تتوافر العوامل التالية:
- الارتفاع عن مستوى سطح البحر: تعد المرتفعات أمرًا مهمًا بالنسبة لجودة البن، حيث تنمو أشجار البن بشكل أفضل في المناطق الجبلية على ارتفاعات تتراوح بين 600 و 2000 متر فوق سطح البحر. وهذا الارتفاع يساهم في تقليل درجات الحرارة، وإتمام عملية النضج بشكل أسرع، مما يؤدي إلى إنتاج حبوب بنكهة أكثر تعقيدًا.
- درجات الحرارة المثالية: تحتاج أشجار البن درجات حرارة معتدلة تتراوح بين 15 و24 درجة مئوية لنوع الأرابيكا، في حين أن الروبوستا تتحمل درجات حرارة أعلى تصل إلى 30 درجة مئوية، وتعد التغيرات في درجات الحرارة تؤثر سلبًا على نمو الأشجار وجودة الحبوب.
- التربة الخصبة الغنية بالمعادن: إذ تحتاج أشجار البن إلى تربة جيدة التصريف وغنية بالمعادن والعناصر الغذائية. حيث تعتبر التربة البركانية من أجود وأفضل أنواع التربة لزراعة البن، وهذا يرجع إلى احتوائها على معادن تساهم في تحسين نكهة الحبوب.
- كمية مناسبة من الأمطار: تعتبر زراعة البن معتمدة على هطول الأمطار المنتظم طوال السنة، حيث تحتاج الأشجار إلى ما بين 1000 و 2000 ملم من الأمطار سنويًا، ولهذا يجب أن يتبع موسم الأمطار فترة جفاف قصيرة تساعد في إزهار الأشجار بشكل مناسب وصحيح.
- الظل الطبيعي: أشجار البن دائمًا ما تفضل النمو في ظل الأشجار الكبيرة، حيث تحميها من أشعة الشمس المباشرة وتقلل من التبخر. وهذه العملية تساهم في الحفاظ على البيئة المحيطة وتحسين جودة المحصول.
- الرياح المعتدلة: تتلف أشجار البن أو تسقط أزهارها بسبب الرياح القوية، ولهذا تحتاج المزارع إلى مواقع محمية من الرياح القوية كي تضمن استقرار الإنتاج.
من أنواع حبوب البن الأرابيكا والروبوستا.
حبوب البن الأرابيكا:
- تزرع حبوب الأرابيكا في المرتفعات العالية التي تتميز بمناخ معتدل، حيث تحتاج إلى بيئة مستقرة، وهذا ما يجعلها أكثر حساسية للظروف الجوية والأمراض.
- تشكل حبوب الأرابيكا حوالي 60 - 70 % من الإنتاج العالمي للبن، مما يجعلها الأكثر انتشارًا.
- حبوب الأرابيكا مميزة وتعرف بالتعقيد، إذ تشتمل على حموضة متوازنة ونكهات تتراوح بين الفواكه والزهر. مما يجعل من حبوب أرابيكا الخيار المفضل لعشاق القهوة المثالية.
- الأرابيكا تشتمل على نسبة من الكافيين أقل من الروبوستا، وهذا ما يجعلها أرق في الطقم وأقل في المرارة.
حبوب الروبوستا:
- الروبوستا ل تزرع على ارتفاعات عالية جدًا كالأرابيكا، وتزرع في المناخ الحار ذا الرطوبة العالية، كما أن قدرتها على مقاومة الأمراض والآفات عالية.
- حبوب الروبوستا تشكل 30-40 % من الإنتاج العالمي، وهي تعد المفضلة في صناعة القهوة الفورية.
- تتميز الروبوستا بنكهتها القوية والجريئة، حيث يشتمل مذاقها على مرارة واضحة وقوام ثقيل، وتتميز نكهاتها بأنها تشتمل على لمحات خشبية أو ترابية.
- تتميز الروبوستا بنسبة كافيين أعلى، مما يعطيها تأثيرًا قوي، حيث أنها تعد الاختيار المثالي لمن يبحثون عن جرعات عالية من النشاط.

الاختلافات بين حبوب الأرابيكا والروبوستا
- تتميز حبوب الأرابيكا كونها بيضاوية الشكل، في حين أن حبوب الروبوستا تتميز كونها دائرية الشكل أكثر من الأرابيكا.
- حبوب الأرابيكا تستخدم في القهوة المختصة والاسبريسو، في حين أن الروبوستا تكون أفضل في القهوة الفوية.
دورة حياة شجرة البن.
- مرحلة النمو الأولى: حيث تبدأ شجرة البن حياتها كبذرة تزرع في مشاتل خاصة، إذ تتطلب رعاية مكثفة في فترة الأسابيع الأولى. وتنبت البذور بعد حوالي 2-3 أسابيع، وتزرع في التربة كي تصير شتلات صغيرة تنقل بعد ذلك إلى الحقول. وتستغرق الشجرة ما بين 3-5 سنوات كي تصل إلى مرحلة النضج وتبدأ في إنتاج الثمار.
- الإزهار: حيث تعد مرحلة الإزهار من أكثر المراحل حساسية في حياة شجرة البن. وتبدأ الشجرة في إنتاج زهور بيضاء صغيرة ذات رائحة عطرية تشبه الياسمين. وتزهر الأشجار بعد هطول الأمطار، ويستمر الإزهار لبضعة أيام فقط.
- التلقيح وتكوين الثمار: تحتاج الأزهار تلقيحًا كي تتحول إلى ثمار، فبمجرد التلقيح تبدأ الثمار الصغيرة في النمو تدريجيًا على أغصان الشجرة.
- نضوج الثمار: تحتاج الثمار حوال 6-9 أشهر كي تصل إلى مرحلة النضج، وخلال هذه الفترة، تتحول من اللون الأخضر إلى اللون الأحمر الزاهي، وتعرف الثمار الناضجة باسم كرز البن، وهي التي تحتوي على الحبوب.
- الحصاد: عندما تنضج الثمار تمامًا، تبدأ مرحلة الحصاد. حيث تحصد الثمار يدويًا لضمان انتقاء الثمار الناضجة فقط. هذه العملية تتطلب مهارة وخبرة لتجنب قطف الثمار غير الناضجة أو الناضجة بشدة.
- المعالجة: بعد الحصاد، تبدأ عملية استخراج الحبوب من الثمار. وتتم المعالجة الرطبة:حيث تُزال القشرة الخارجية للثمار وتُغسل الحبوب بالماء قبل تجفيفها. أو المعالجة الجافة: حيث تُجفف الثمار كاملة تحت أشعة الشمس قبل استخراج الحبوب منها.
- التجفيف والتخزين: وهنا تُجفف الحبوب المُستخرجة كي تقلل محتوى الرطوبة فيها ويضمن تخزينها لفترة أطول دون أي تلف. و بعد التجفيف، تُخزن الحبوب في أكياس مخصصة و تحفظ في ظروف مثالية للحفاظ على جودتها.
- التصدير والتحميص: بعد التجفيف، تُرسل الحبوب الخضراء إلى مراكز التصدير، إذ تُباع لمصانع التحميص أو متاجر بيع القهوة كمتجر قهاوينا. وتُحمص الحبوب بدرجات حرارة مختلفة للحصول على النكهات المطلوبة قبل أن تُطحن وتُعد للاستهلاك.
العوامل المؤثرة على جودة ونكهة حبوب البن.
التنوع النباتي:
النوع المحدد لشجرة البن يساهم بشكل كبير في تحديد النكهة والجودة. والأصناف المختلفة من الأرابيكا والروبوستا، تمتلك خصائص فريدة ترتبط بالحموضة، و القوام، و النكهات العطرية.
البيئة المحيطة بالمزرعة.
- التضاريس المحلية: حيث يؤثر انحدار الأرض وتوجيه المزرعة نحو الشمس على مستويات الإشعاع الشمسي ودرجة الحرارة التي تؤثر بدورها على نضج الثمار.
- النباتات المحيطة: حيث أن الزراعة المختلطة مع أشجار كالموز والكاكاو توفر الظل وتحسن جودة التربة، مما يضيف تعقيدًا في النكهة.
التوقيت الدقيق للحصاد.
- قطف الثمر في وقت النضج الممتاز له يضمن الحصول على السكر الطبيعي والنكهات المتوازنة.
- الحصاد المبكر أو الحصاد المتأخر يؤثر تأثيرًا سلبيًا على جودة الحبوب، إذ ينتج عن الحصاد المبكر نكهات حمضية قاسية، في حين يؤدي الحصاد المتأخر إلى نكهات باهتة.
عملية التخمير أثناء المعالجة:
مدة التخمير ونوعها يؤثران بشكل كبير على النكهات المتطورة للحبوب. فالتخمير إن طال يبرز النكهات الفاكهية، في حين أن التخمير إن قصر فإنه يحافظ على نكهات نظيفة ومباشرة.
طريقة التجفيف:
- الحبوب المجففة ببطء تحت أشعة الشمس تطور من النكهات وتجعلها أعمق وأكثر تعقيدًا مقارنة بالمجففات الميكانيكية السريعة التي تفتقر إلى العمق.
- التوزيع غير المتساوي خلال عملية التجفيف يؤدي إلى تباين في الجودة في نفس الدفعة.
التخزين والنقل.
- الحبوب الخضراء تحتاج إلى تخزين في ظروف مثالية، إذ تؤثر الرطوبة ودرجة الحرارة بشكل كبير على جودتها.
- الحبوب التي يتم تخزينه في مناطق بها رطوبة عالية، فإنها تمتص الروائح المحيطة أو تتعرض للعفن.
- النقل في أكياس مقاومة للرطوبة أو علب أو حاويات محكمة الإغلاق يحافظ على النكهة ويمنع التلف ويحافظ على جودة الحبوب.
تقنيات المعالجة الحديثة.
- المعالجة بالطرق المتقدمة تستخدم لإضافة نكهات مميزة وغير تقليدية.
- التحكم الدقيق في كل خطوة من عملية المعالجة يمنع العيوب التي تظهر في النكهات النهائية.
العوامل الوراثية.
المقاومة الطبيعية للشجرة للأمراض أو الآفات تؤثر على جودة المحصول بشكل عام. الأشجار القوية تنتج حبوبًا أفضل من حيث النضارة والنكهة.
الأسئلة الشائعة.
كيف يمكنني تحديد جودة حبوب البن عند شرائه؟
قم بالبحث عن تفاصيل بلد المنشأ، و طريقة المعالجة، و نوع الحبة، وحبوب البن الطازجة تكون ذات رائحة زكية وقوام موحد. يفضل شراء الحبوب الكاملة وطحنها قبل التحضير لضمان نكهة أفضل.
هل يمكن زراعة البن في أي مكان؟
لا، زراعة البن تحتاج إلى ظروف ملائمة وخاصة تشمل المناخ الاستوائي، الارتفاع المناسب، و التربة الغنية بالمعادن. لهذا السبب تتركز زراعة البن في حزام القهوة والذي يقع بين مداري السرطان والجدي.
لماذا تختلف نكهات القهوة حتى لو كانت من نفس النوع؟
تتأثر نكهات القهوة بعوامل كنوع التربة، و الظروف المناخية، و طريقة المعالجة، و التحميص. حتى الاختلافات الصغيرة في هذه العوامل تنتج نكهات فريدة.
ما هي المدة التي يمكن فيها تخزين حبوب البن دون أن تفقد جودتها؟
يمكنك تخزين حبوب البن الكاملة لمدة تصل إلى 6 أشهر إذا حُفظت في مكان بارد وجاف وفي عبوة محكمة الإغلاق.
كيف تؤثر طريقة التحميص على نكهة القهوة؟
- التحميص الخفيف يحافظ على النكهات الطبيعية للحبوب ويبرز الحموضة.
- التحميص المتوسط يُوازن بين الحلاوة والحموضة.
- أما التحميص الداكن فيُضيف مرارة وقوامًا ثقيلًا ويقلل من الحموضة.